- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠1الترغيب والترهيب المنذري
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
العناية بالأطفال من أخطر أعمال الآباء والأمهات :
أيها الأخوة الكرام ، في عقد قران وزع كتاب لطيف عنوانه : منهج التربية النبوية للطفل ، وأنا أتصفحه هذا اليوم وجدت فصلاً لطيفاً ، هذا الفصل مكتوب فيه الأربعون النبوية لا النووية ، الأربعون النبوية للأطفال ، مؤلف الكتاب جمع أربعين حديثاً صحيحاً تتعلق بالطفولة ، وما من بيت في الأعم الأغلب من بيوت المسلمين إلا وفيه طفل ، وهذا الطفل فلذة كبد الأب والأم ، ويسعد الأب بسعادة ابنه ، ويشقى بشقاء ابنه .
لذلك تعد العناية بالأطفال من أخطر أعمال الآباء والأمهات ، فبالعناية بهم يسعدون ، وبإهمالهم يشقون .
أول هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( أدبوا أولادكم على ثلاثة خصال : حب نبيكم ، وحب آل بيته ، وتلاوة القرآن ))
الطفل بحاجة ماسة إلى مثل أعلى ، فإن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام مُثلاً عليا لابنك ، فالممثلون ، والممثلات ، ولاعبو الكرة ، والساقطون ، والساقطات ، هم المثل العليا لابنك ، الابن في طور التقليد ، في طور التطلع إلى من هو أكبر منه ، فإن لم تملأ هذا الفراغ بصحابي ، بالنبي ، بخلق النبي ، بشجاعة النبي ، بكرم النبي ، برحمة النبي ، باستقامة النبي ، بعدل النبي ، بأخلاق أصحابه الأطهار ، تعلق هؤلاء الصغار بأناس ساقطون ، منحرفون ، يعلمون هؤلاء الصغار كل نقيصة ، وكل انحراف ، لذلك هذا الحديث خطير .
(( أدبوا أولادكم على ثلاثة خصال : حب نبيكم ))
تطبيق الحديث السابق يكون بتعريف الأولاد بشمائل النبي الكريم و أخلاقه :
طبعاً من السذاجة أن تفهموا هذا الحديث أن يا بني حب رسول الله ، الطريقة لتطبيق هذا الحديث أن تُعرفه بشمائله ، أن تُعرفه بأخلاقه ، ما الذي يمنع أن تجلس مع أولادك بالأسبوع مرة ؟ أن تقرأ لهم فصلاً من سيرة رسول الله ؟ أنت لا تدري ماذا يحصل بنفس هذا الطفل الصغير ، هكذا كان النبي ، هكذا كان رحيماً ، هكذا كان يصغي الإناء للهرة، يوجد طفل كلما شاهد حيوان يؤذيه هكذا ، من دون فهم ، أما حينما تعلم ابنك أن يصغي الإناء للهرة ، أن يطعم الهرة الجائعة ، أن ينقذ النملة من الغرق ، أن يرحم الحيوان ، أن يعطف على الصغير ، هذه أخلاق .
حدثني أخ عن طفل بأمريكا يتلذذ بالقتل الجماعي ، قتل آنسته وأربعة طلاب ، بلا سبب .
فلذلك هذا الحديث فيه أمر ، والأمر يقتضي الوجوب .
(( أدبوا أولادكم على ثلاثة خصال : حب نبيكم ، وحب آل بيته ، وتلاوة القرآن ))
معنى ذلك لا بد من أن تجلس مع أولادك لتعلمهم سيرة النبي ، أمتع جلسة في البيت ، أمتع جلسة بينك وبين أولادك حينما تحدثهم بالعلم ، حينما تجلس جلسة ليس لها علاقة بتنظيف البيت ، ولا بمشكلات البيت ، ولكن لها علاقة بالعلم ، هذا الشيء مؤنس .
القرآن ربيع القلوب و تلاوته وحفظه و فهمه و تطبيقه عبادة :
(( وتلاوة القرآن ))
هذا القرآن ربيع القلوب ، تلاوته عبادة ، حفظه عبادة ، فهمه عباده ، تطبيقه سعادة ، منهجنا المقرر ، هذه ثلاث فقرات للمنهج النبوي .
(( أدبوا أولادكم على ثلاثة خصال : حب نبيكم ، وحب آل بيته ، وتلاوة القرآن ، فإن حملة القرآن في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه ))
لا يوجد شيء أروع في الطفل من أن يتقن القرآن ، يتقن تلاوته ، يتقن فهمه ، يتقن العمل به ، وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾
أن تقرأه قراءة صحيحة ، وأن تفهمه فهماً صحيحاً ، وأن تطبقه تطبيقاً صحيحاً ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
(( كنتُ خَلْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ، فقال لي : يا غلام ، إِني أُعَلِّمك كلمات احفظ الله يحفظك ))
والله هذا الحديث للصغار والكبار ، احفظ أمر الله يحفظك من كل مكروه ، أنت في أمن ، أنت في سلامة ، أنت في سعادة ، أنت في رضا ، أنت في طمأنينة .
((احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تَجِدْهُ تُجاهَكَ ))
تقع في مأزق ، يا رب ، يقول لك : لبيك يا عبدي ، إن عرفتني في الرخاء أعرفك في الشدة .
(( إِذا سألتَ فاسأل الله ))
لا تسألن بني آدم حــاجة واسأل الــذي أبوابه لا تغلق
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حينما يُسأل يغضب
* * *
الإنسان يكبر بأخلاقه لا بماله :
إنسان قال : يا رب إن أعطيتي سأعمر مسجداً ، قال له إنسان ساخراً : من أين لك أن تكون غنياً ؟ هذا شيء من سابع المستحيلات ، قال له : هل أنت أكرم من الله عز وجل ؟ قصة في بلد إسلامي ، إنسان متواضع فقير ، يعيش يوماً بيوم ، يكسب قوت يومه ، فجمع بعض المدخرات المالية ، واستدان ، واقترض ، وكان هناك مولدات كهربائية رائجة جداً في هذا البلد ، فاشترى أربعين مولدة بكل ما يملك مع الديون والقروض ، بعدما اشترى مولدات أسست شركة كهرباء في هذا البلد ، فهذه المولدات لا تباع ، ولا تشترى ، أين يضعها ؟ اشترى أرضاً بعيدة ، ووضع فيها المولدات ، وسورها بشريط شائك ، نسي الموضوع كلياً ، حتى أقسم بالله أنه قد نسي الأرض والموضوع كله ، شيء انتهى بيعه ، كان هناك شركات خاصة تنور المدينة ، فلما أُسست شركة كهرباء عامة ، فهذه المولدات لا قيمة لها إطلاقاً ، بعد عشر سنوات وصل العمار إلى هذه الأرض ، وأصبحت منظمة باعها بأربعين مليون ريال ، وعمر مسجداً ضخماً .
الله إذا أعطى أدهش ، الإنسان أحياناً يسمع قصة يشعر نفسه صغيراً .
حدثني أخ طبيب : أنه يوجد عنده بالمشفى طفل معه مشكلة في قلبه ، يحتاج إلى عملية جراحية ، لأن هناك خلل في قلبه ، والعملية تكلف مئتين و خمسين ألفاً ، وأهل الخير كُثر ، فأُخبر الطبيب أن هذا الإنسان عمليته مغطاة من أحد المحسنين ، الطبيب فرح ، فلما أبلغ هذا الإنسان رفض أن يأخذ هذا المبلغ ، هذا الإنسان ماذا يعمل ؟ عنده ورشة أحذية بالجبل قال له : أنا عندي شيء أبيعه ، أنا أبيع هذه الورشة وأعود صانعاً في صنع الأحذية ، ودع هذا المبلغ لمن لا يجد ما يبيعه ، يقول لي الطبيب : ما وجدت إنساناً عنده شهامة ، وعنده عفة كهذا الإنسان ، وباع الورشة ، ورجع صانعاً ، وعالج ابنه .
القصة الثانية سمعتها اليوم ، آذن فقير جداً ، ورث أرضاً بأحد أحياء دمشق المتطرفة ، ورجل محسن أحب أن ينشئ مسجداً هناك ، كلف مهندساً من أخواننا بأن يبحث له عن مكان مناسبة ، وجد أرضاً مناسبة ، صاحبها هذا الآذن الذي ورثها من فترة ، ساومه على شرائها كان الثمن ثلاثة ونصف مليون ، وكتب شيك ، فلما علم صاحب الأرض أنها من أجل مسجد مزق الشيك وقال : أنا أولى أن أقدمها لله عز وجل ، يقول هذا الرجل الميسور الذي معه مئات الملايين : بحياتي ما صغرت أمام إنسان كما صغرت أمام هذا الإنسان .
الإنسان يكبر بعمل ، ويصغر بعمل ، يكبر حتى تجد أنه لا نهاية لكبره ، هذا القلب يكبر ويكبر حتى يتضاءل أمامه كل كبير ، يصغر ويصغر حتى يتحاقر عليه كل حقير، هناك إنسان دنيء ، وهناك إنسان كبير ، لا يكبرك مالك ، يكبرك أخلاقك ، إنسان في أمس الحاجة لهذا المبلغ قدمه لوجه الله عز وجل ، لبيت من بيوت الله ، الآن المسجد أنشئ وكلف عشرات الملايين ، وصاحب أرض هذا المسجد إنسان فقير ، وهذا الذي رفض أن يأخذ مئتين و خمسين ألفاً قال : أنا عندي شيء أبيعه ، ابقِ هذا المبلغ لمن لا يجد ما يبيعه .
(( إِذا سألتَ فاسأل الله ، وإِذا استعنتَ فاستَعِنْ بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إِلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إِلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رُفِعَتِ الأقلام ، وجَفَّتِ الصُّحف ))
تدريب الطفل على الصلاة في سنٍّ مبكرة :
قال أيضاً عليه الصلاة والسلام :
(( مُرُوا أولادَكم بالصلاة وهم أَبناءُ سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشْر وفرِّقُوا بينهم في المضاجع ))
لاحظ الأب إذا جاء إلى البيت في المساء يسأل زوجته : الأولاد أكلوا ؟ تقول له : أكلوا ، كتبوا وظائفهم ؟ كتبوا ، فقط ، أما صلوا ؟ قلّما يسأل عن هذا السؤال ، أما النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل بيته يسأل : الأولاد هل صلوا العشاء ؟ يسأل عن أولاده الصغار أيضاً ، هذا الحرص .
سيدنا عمر طُعن ، وهو إمام ، أغمي عليه ، نزف منه الدم ، فلما أفاق قال : هل صلى المسلمون الفجر ؟ لذلك :
(( مُرُوا أولادَكم بالصلاة وهم أَبناءُ سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشْر وفرِّقُوا بينهم في المضاجع ))
سأقول لكم حقيقة ثمنها باهظ : لا تستطيع أن تربي ابنك بالخامسة عشرة إن لم تبدأ تربيته بالخامسة ، لا تستطيع السيطرة عليه بعد ذلك ، لا تغفل وتصحو بعد فوات الأوان، لا تهمله وهو صغير ، يكتسب عادات سيئة ، يتعلم كلمات بذيئة ، بعد ذلك تتألم أشد الألم .
أخواننا الشباب الذين عندهم أولاد صغار يجب أن تعتني بابنك من سن الخامسة ، حتى يتشرب الدين ، يتشرب حب الله ورسوله ، يتشرب المسجد ، يتشرب الكلام الطيب ، العفة ، قد يقول أحدكم : هذا أمر تكليفي ، لا ، أمر تأديبي ، عندنا شيء بالفقه اسمه أمر تأديبي ، الطفل إذا بلغ فهو مكلف بالصلاة تكليفاً شرعياً ، الطفل مستحيل أن يصلي فجأة ، لابد من أن تؤدبه على الصلاة من سن مبكرة ، بالسابعة يوجد أمر ، بالعاشرة يوجد ضرب .
احترام شخصية الطفل :
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
(( جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إني أريد هذه الناحية ، الحج ، قال : فمشى معه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال : يا غلام زودك الله التقوى، ووجهك الخير ، وكفاك الهم ))
عظمة رسول الله ! كبير ، صغير ، طفل صغير ، غلام :
(( فقال : إني أريد هذه الناحية ، الحج ، قال : فمشى معه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال : يا غلام زودك الله التقوى ، ووجهك الخير ، وكفاك الهم ، فلما رجع الغلام سلم على النبي صلى الله عليه و سلم ، فرفع رأسه إليه ، وقال : يا غلام قبل الله حجك وكفر ذنبك وأخلف نفقتك ))
هناك شيء بالتربية اسمه احترام شخصية الطفل ، الأشخاص العظماء تلقوا تربية راقية جداً ، أحياناً الأب يضرب ابنه أمام أصدقائه ، هذا شيء صعب جداً ، هذا إجرام بحق الطفل ، الطفل له مكانة ، له كيان ، عندما ضرب أمام رفاقه حطمته ، وسحقته ، يجب أن تعد للمليون قبل أن تضرب ابنك أمام أولاد خالته ، أمام أولاد عمته ، أمام رفاقه ، تحطمه ، فيما بينك وبينه حاسبه ، وأدبه ، واضربه أحياناً لا يوجد مانع ، لكن احترم له شخصيته ، أحياناً أم يأتي رفيق ابنها لعندها ، فتعمل له عشاء ، هذا العمل يدخل على قلب الطفل من السرور الشيء الكثير ، لا تعرف ، شيء لا يقدم ولا يؤخر ، قال لها : اعملي لنا عشاء ، فقالت له : تكرم يا بني .
هناك قصة حكاها لنا أخ مقيم بأمريكا ، له ابن و هذا الابن له صديق زنجي ، زاره مرة صديقه الزنجي ، زنجي وثني ، فلاحظ هذا الزنجي أن الابن قّبّل يد والده ، وقف باحترام بالغ أمامه ، وعندما عرفوا أهله أن معه صديقه صنعوا له طعاماً وقدموه له ، هذا الشاب الزنجي الوثني أعجبه هذا الدين ، أعجبه احترام الابن للأب ، وأعجبه عناية الأب بصديق الابن ، هيؤوا طعاماً وقدموه له .
أنت بالبيت عليك أن تحترم أصدقاء ابنك المنضبطين ، و عليك أن تكون لطيفاً مع ابنك أمام أصدقائه ، أن تثني عليه ، و تشجعه ، عليك أن تأخذه معك دائماً ، الحياة تحتاج إلى عناية فائقة بالأطفال ، حتى إذا كبر يعجبك ، حتى إذا كبر يكون قرة عين لك .
لذلك أحد أكبر مبادئ التربية احترام شخصية الطفل ، لا تهينه ، لا تحطمه ، الضرب المبرح ، الضرب على الوجه ، السُباب ، الشتائم ، هذه تحطم الطفل ، تجعله مشاكساً، وكل أخ له علاقة بالتعليم ، بالمدارس ، الطفل المشاكس المزعج ، المؤذي ، البذيء، هذا طفل يعيش في بيت منهار ، البيت المنهار يفرز أطفالاً سيئين ، والبيت المتماسك يفرز أطفالاً متوازنين .
التعليم خير من التعنيف :
طفل سأل النبي الكريم ، قال له : أريد الحج ، فقال له :
(( يا غلام زودك الله التقوى ، ووجهك في الخير ، وكفاك الهم ، فلما رجع الغلام على النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا غلام قبل الله حجك ، وغفر ذنبك ، وأخلف نفقتك ))
كأنه كبير ، لي قريب له كلمة تعجبني ، قال : هذا الصغير هو كبير لكن قياسه صغير ، عامله ككبير ، احترمه ، دلله ، اقنعه ، ابنك غلط اقنعه أنت غلطان ، بيّن له ، دعه يكون صادقاً معك ، لا تكن عنيفاً فيكذب عليك بعدها ، عليك أن تشعره أنه يمكن أن يقول لك كل شيء ، يقول لك كل شيء فعله ، اسمع منه ونبهه لا تعيدها .
(( علموا ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف ))
(( إِنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيء إِلا زَانَهُ ، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إِلا شانَهُ ))
مرة سمعت عن طالب بعثه أبوه من أمريكا إلى الشام حتى يتعلم الدين واللغة ، التحق بمعهد ، فغلط غلطة فرفعوه فلقة ، وأهانوه ، كلما يذكر اسم سوريا وهو بأمريكا يرجف تعني هذه البلد أن هناك فلقة .
أحياناً معلم اللغة العربية يكون قاسياً فيكره الطلاب مادته ، أحياناً أستاذ الرياضيات يكون قاسياً فيكره الطلاب مادته ، ينشأ عند الطفل عقدة .
انظر أخلاق النبي قال له :
(( يا غلام زودك الله التقوى ، ووجهك في الخير ، وكفاك الهم ـ بعدها قال : ـ قَبِل الله حجك ، وغفر ذنبك ، وأخلف نفقتك ))
محبة الأطفال واحترامهم جزء أساسي من التربية :
و عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال :
(( خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ، حتى إذا رأيت أنني فرغت من خدمتي قلت : يقيل رسول الله ـ أي نائم الآن رسول الله ، يقيل أي من قال يقيل ، نام بعد العصر ـ فخرجت إلى صبيان يلعبون ، قال : فجئت أنظر إلى لعبهم ، قال : فجاء النبي عليه الصلاة والسلام فسلم على الصبيان ، وهم يعلبون ، فدعاني النبي عليه الصلاة والسلام فبعثني إلى حاجة له ، فذهبت فيها ، وجلس النبي الكريم في فيء ـ في ظل ـ حتى أتيته ، واحتبست عن أمي عن الإتيان ، الذي كنت آتيها فيه ، فلما أتيت قالت : ما حبسك ؟ قلت : بعثني رسول الله في حاجة ، قالت : ما هي ؟ قلت : هو سر رسول الله فقالت أمه : فاحفظ على رسول الله سره ، قال ثابت : قال لي يا أنس : لو حدثت فيه أحداً من الناس ، أو لو كنت محدثاً أحد به لحدثتك به يا ثابت ))
أي أعجبه أنه يحفظ سرّ رسول الله ، والله تجد أطفالاً في عهد النبي والصحابة الكبار شيء لا يصدق .
سيدنا عمر يمشي في الطريق فرأى أطفالاً ، عندما رأوه هربوا ، وقف واحد بكل أدب فلفت نظره ، قال له : يا غلام لِمَ لم تهرب مع من هرب ؟ قال له : أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك ، ولست مذنباً فأخشى عقابك ، والطريق يسعني ويسعك ، ذكاء ، وأدب، وفهم .
عبد الملك بن مروان ، جاءه وفد للتهنئة ، يتقدمهم غلام ، فغضب ، فوبخ حاجبه و قال له : ما شاء أحد أن يدخل علينا حتى دخل ، حتى الصبيان ؟ فابتسم الغلام ، قال له : أيها الأمير إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك ، ولكنه شرفني ، أنت بمقامك بقيت ، وأنا تشرفت بالدخول ، قال له : أصابتنا سنة أذابت الشحم ـ ذاب شحمنا من الجوع ـ وأصابتنا سنة أكلت اللحم ـ أصبحنا جلدة وعظمة ـ وأصابتنا سنة دقت العظم ، أول سنة أذابت الشحم، والسنة الثانية أكلت اللحم ، و الثالثة دقت العظم ، ومعكم فضول أموال ، فإن كانت لنا فعلامَ تحبسوها عنا ؟ وإن كانت لله فنحن عباده ، تصدقوا بها علينا ، قال : والله ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة عذراً ، أي حاصره .
دخل وفد ثانٍ من الحجاز على سيدنا عمر بن عبد العزيز يتقدمهم طفل صغير ، انزعج ، قال له : اجلس وليقم من هو أكبر منك سناً ، قال له : أصلح الله الأمير ، المرء بأصغريه قلبه ولسانه ، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً ، وقلباً حافظاً ، فقد استحق الكلام ، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس ، فأعجبه .
إذا ربيت الطفل ، واحترمت شخصيته ، أعطيته ثقة ، أنا سأقول لكم كلمة : لا يوجد طفل لا يغلط ، الأب المربي يوطن نفسه على خطأ ابنه ، لكن البطولة ألا يعاد الخطأ ، يجب أن ترفع هذا الشعار ، ليس العار أن تخطئ ، العار أن تبقى مخطئاً ، العار أن تجهل ، العار أن تبقى جاهلاً .
الملاحظ أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحترم الأطفال ، ويحبهم ، ومحبة الأطفال واحترامهم جزء أساسي من التربية .
الخلق الحسنأكبر مزية يعطيها الأب لابنه :
و عن أنس رضي الله عنه أنه قال :
(( كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقا ، وكان لي أخ يقال له : أبو عمير - وهو فَطيم - كان إِذا جاءنا ، قال : يا أبا عمير ، ما فعل النُّغَير ))
كان له طير اسمه النغير ، فكان عليه الصلاة والسلام يداعبه و يقول :
(( يا أبا عمير ، ما فعل النُّغَير ؟ ))
أخواننا الكرام ، صدقوني ، إذا دخلت إلى بيتك ، بيت صغير متواضع ، أكل متواضع ، أثاث متواضع ، زوجة وسط ، تستطيع أنت تعمل به بهجة ، بنفسيتك الطيبة ، بمرحك ، بابتسامتك ، بعطفك ، بإيناسك لأطفالك ، وهناك بيت قطعة من الجحيم ، كله شجار، وتكسير ، وكلام بذيء ، أنت بإيمانك ، واستقامتك ، ونظرك البعيد تجعل من البيت جنة ، السعادة لا تأتي بالمال ، لا تأتي من البيت الواسع ، لا تأتي من الأثاث ، لا تأتي من الطعام الطيب تأتي من الود ، والحب ، يمكن أن تأكل أكلاً خشناً مع أولادك ، وهم راضين مسرورين .
(( يا أبا عمير ، ما فعل النُّغَير ))
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( ما نَحَلَ وَالِدٌ وَلَداً من نَحْلٍ أفضل من أدبٍ حَسَنٍ ))
أي أكبر مزية يعطيها الأب لابنه الخلق الحسن ، إذا قلت : هذا طفل خلوق ، هذه من آلاف الملاحظات ، آلاف التوجيهات ، آلاف المتابعات حتى أصبح مهذباً ، والطفل المهذب شيء لا يقدر بثمن .
أنا لا أرى ولا أعتقد أن في الأرض أب أسعد من أب يرى ابنه صالحاً ، النبي عليه الصلاة والسلام علمنا فقال :
(( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ومعه شيخ فقال له : يا فلان من هذا معك ؟ ' . قال : أبي . قال : فلا تمش أمامه ، ولا تجلس قبله ، ولا تدعه باسمه ، ولا تستسب له ، ولا تدعه باسمه ))
توجيه دقيق ، إذا كنت تمشي أنت وابنك ، فعلى الابن أن يمشي وراء أبيه ، دخلتم إلى غرفة على الابن ألا يجلس قبل أن يجلس والده ، ولا يعمل عملاً يتسبب له بمسبة ، ولا يناديه باسمه ، هذه قاعدة علموها لأولادكم .
قواعد هامة على الطفل أن يتعلمها :
و كان عليه الصلاة والسلام يقول :
(( ما برّ أباه من سدد إليه الطرف بالغضب ))
نظر إلى أبيه هكذا ، زوره ، هذا عاق لوالديه ، أقل إساءة تعد عقوقاً .
﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾
لو أغلقت الباب بعنف كأنك قلت له : أف ، على الهاتف يحدثك ، تضايقت لأنك طلبت منه مبلغاً فقال لك : ليس معي نقود فطبقت السماعة هذا عقوق له ، يجب أن تودعه ، أما أن تطبق السماعة أمامه ! هذه إساءة بالغة جداً .
(( ما بر أباه من سدد إليه الطرف بالغضب ))
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ))
نفى عنه أن ينتسب إلى أمة محمد .
(( من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا و يعرف لعالمنا حقه ))
وكان النبي يعلم الصغار إذا قرعوا الباب أن يعطوا ظهرهم للباب ، يدق الطفل أمام الباب هكذا ، كأنه يراقب البيت ، تفتح المرأة مستعجلة رآها كما هي ، فالسنة إن طرقت الباب أن تعطي ظهرك للباب ، يمنة أو يسرة .
على الأب و الأم تجنب الكذب أمام أولادهم :
وعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال :
(( كنتُ غُلاما في حجْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت يَدي تطيشُ في الصحفَة ـ يعني يصل إلى محل بعيد ـ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا غلامُ سَمَّ اللَّه ، وكلْ بيمينك ، وكلْ مما يلَيك ))
هذا أدب الأكل ، نحن عملنا سابقاً ثلاثين درساً في تربية الأولاد في الإسلام ، من فضل الله لاقوا قبولاً حسناً في كل الأوساط ، هناك قسم عن التربية الإيمانية ، وقسم عن التربية الأخلاقية ، والتربية العقلية ، والتربية الجسمية ، والتربية النفسية ، والتربية الاجتماعية ، والتربية الجنسية ، وكلها آيات وأحاديث رائعة جداً تبين ماذا ينبغي على الآباء أن يفعلوا في تربية أولادهم ؟
وقال عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ تَعَالَ هَاكَ ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ فَهِيَ كَذْبَةٌ))
لي قريب مقيم بأمريكا جاء بالصيف ، معه ابن عمره خمس سنوات ، يبدو أنه لعب زيادة في النهار ، فقالت له جدته : اركن وسآخذك في المساء إلى الحديقة ، فصدقها ، في المساء لم تأخذه ، فقال لها : أنت كاذبة ، بصراحة ، لا تكذب على ابنك .
(( مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ تَعَالَ هَاكَ ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ فَهِيَ كَذْبَةٌ))
دقق ، بابا قل له : لست هنا ، معنى هذا أن الأب كاذب ، بابا يقول لك : ليس هنا.
تخرج مع ابنتها إلى مكان ما ، و يعودون إلى البيت عند الظهر ، يسألها زوجها أين كنتم ؟ تقول له : لم نخرج ، فالبنت الصغيرة رأت أمها تكذب ، خرجت ، ورجعت ، وهي مع أمها ، قالت له : ما خرجنا ، هذه أخطاء كبيرة جداً .
الجنة لمن ربى بناته أو أخواته و تعهدهم بالرعاية و الحنان :
كان عليه الصلاة والسلام من أحسن الناس خلقاً :
(( خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال لي أُفّ قط ، ولا قال لشيء : لم فعلت كذا ، وهلا فعلت كذا ؟ ))
(( كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلُقا فأرسلني يوماً لحاجة . فقلتُ : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجتُ حتى أَمُرّ على صبيان ، وهم يلعبون في السوق فإِذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بقفاي ـ من ورائي ـ فنظرت إِليه وهو يضحك . فقال : يا أُنيس ، ذهبتَ حيث أمرتك ؟ قال : قلتُ : نعم ، أنا أذهبُ يا رسول الله . قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ، ما علمته قال لشيء صنعته : لم صنعت كذا وكذا ؟ أو لشيء تركته : هَلا فعلت كذا وكذا ؟ ))
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام يعد كل أب عنده بنات ، قال :
(( مَنْ كان له ثلاثُ بَنَاتٍ ، أو ثَلاثُ أخواتٍ ))
بنت فاتها قطار الزواج مصيرها عند أبيها ، الأخت أحياناً تكون عبئاً على أخيها أما المؤمن ليست عبئاً عليه ، الحديث هذا : الجنة لمن ربى بناته أو أخواته ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ كان له ثلاثُ بَنَاتٍ ، أو ثَلاثُ أخواتٍ أو بِنْتانِ ، أو أختان ، فأحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ ، واتَّقَى الله فيهنَّ ، فله الجنة ))
أخت ، أو بنت ، هذه إضافة رائعة ، وكان عليه الصلاة والسلام يقول :
(( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ))
وكان عليه الصلاة والسلام :
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَصٌفُّ عبد الله وعبيد الله وكثيراً بني العباس ثم يقول : من سبق إلي فله كذا وكذا قال : فيستبقون إليه ، فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم ))
يصفهم ويقف بعيداً ، ويقول : تعالوا إلي تسابقوا ، من شدة السرعة يقعون على ظهره وعلى صدره ، فيقبلهم ، ويلتزمهم .
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الصغار :
أردت من هذا الدرس أن تقفوا في أخلاق النبي مع الصغار ، لا يوجد بيت إلا و فيه صغار ، بهدوئك ، وحلمك ، ومحبتك ، وعدلك بين أولادك ، وأنت اتصالك بالله يعمل عندك قوة جذب وإشعاع ، الانقطاع عن الله يسبب جفوة ، فالبيت يمكن أن يكون قطعة من الجنة ، بابتسامة لطيفة ، ومداعبة ، كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً ، كان يقول :
(( أكرموا النساء ، والله ما أكرمهن إلا كريم ))
البنات الصغار ، المؤنسات الغاليات ، يمكن أن يكون بيتك جنة ، بأي مستوى مادي ، بأي موقع ، بأي مساحة ، بأي دخل ، بأي أكل ، بأي أثاث ، فبإيمانك ، واستقامتك ، ومحبتك ، هؤلاء الصغار يصبحون أصدقاءك ، وهكذا كان عليه الصلاة والسلام يحب الصغار ، ويحترمهم ، ويسلم عليهم ، حتى في بعض الأحاديث أنه كان يتسابق معهم ، شيء لا يصدق ، و في بعض الأحاديث كان يركبهم أمامه على الناقة ليفرحوا .
أيها الأخوة :
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾
اعتنِ بالصغار قدر ما تستطيع ، ودللهم ، وأحبهم ، وأكرمهم ، حتى ينشؤوا مؤمنين طاهرين ، حتى يكونوا قرة عين لك ، حتى يكونوا صدقة جارية من بعدك .
(( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو عمل ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ))